الأربعاء، 20 مايو 2009

الأثنوميثودولوجيا لي هارولدجارفنكل

الجذور الفكرية للمنظور الاثنوميثودولوجي و العوامل الممهدة لظهوره :

الأثنوميثودولوجيا هي تيار سوسيولوجي تطور خلال سنوات الستينيات (1960) في جامعة كاليفورنيا عن طريق أثنين من رواده، وهما هارولد غرفنكل(H,Garfinkel) و أرون سيكورين A.cicourel)) هذا المصطلح استعمل لأول مرة مرجعيا مع الإثنوعلوم (l'ethnoscience) الذي يحدد المناهج و المعارف العميقة المستعملة من طرف أناس لعقلنة ممارساتهم الاجتماعية، وكمثال على ذلك الاثنونباتية والتي تعرف مناهج تصنيف النبات في مختلف المجتمعات البدائية.فالإثنوميتودولوجيا هي مدرسة السوسيولوجا الأمريكية و التي تدين بالكثير لمؤسسها غارفنكل. و هو تلميذ بارسون(T-parson) بالأساس. و كتاب آخرين بدرجة أقل كسيكوريل وصاكص
(1) .
يرى عدد من المحللين لتطور النظرية السوسيولوجية من أمثال والترولاس بأن الاتجاه الاثنوميثودولوجي ترتبط نشأته أو جذوره الفكرية بتحليلات كل من التفاعلية الرمزية والفينومينولوجية ولاسيما أن هذين المنظورين قد احدثا تطور كبير في النظرية السوسيولوجية ،وتأثر أيضا بالتقليد البراغماتي، و بالفلسفة التحليلية. واذا كانت الاثنوميودلوجية قد ارطبت جذورها بهذه الاتجاهات إلا أنها كما يرى الفن جولدنز أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالاتجاهات النقدية التي شهدها علم الاجتماع في الستينات من القرن العشرين وقد ظهر هذا المنظور كأحد البدائل النظرية التي تتخذ موقفا نقديا من النظريات السوسيولوجية التقليدية وخاصة من الاتجاه الوضعي
(2) .

العوامل التي ساعدت على الظهور الثنوميثودولوجيا:

1- فقدان الثقة بالنظريات السوسيولوجية الكبرى وخاصة البنائية الوظيفة التي لم تعد ذلك الإطار المرجعي للتفسيرات السوسيولوجية
2- التناقض الفكري الواضح للوظيفية وطبيعتها المرجعية في تفسير الواقع (التناقض بين الرؤية النظرية والواقع الذي تقوم بتفسيره)
مثلا : مشكلة التفرقة العنصرية وهيمنة السلطة السياسية وانتشار الأمراض والآفات الاجتماعية مثل البطالة، و الجريمة وغيرها من المشاكل والتي لم تعطي لها الوظيفة اهتماما ملحوظا.
3- الأزمات السياسية التي تعرضت لها المجتمعات الإنسانية نتيجة لانتشار الحروب العسكرية وظهور المشكلات السياسية والأخلاقية و الدينية وعجز العلوم الاجتماعية عن دراسة المشكلات الاجتماعية .
4- إخفاق النظريات السوسيولوجية التي تقوم على الفلسفات المتجددة مثل الفينومينولوجيا والوجودية وغيرها من النزاعات التي اتسمت بالطابع المثالي في بعض الأحيان ، في تفسير الواقع لاجتماعي ونظمه ومؤسساته
5- ضرورة تقييم وإعادة النظر في تلك النزعات والنظريات التي ابتعدت في دراستها عن الواقع الاجتماعي
6- رفض المسلمات التي تقوم عليها النظريات الوضعية بأشكلها و التي تدور حول علاقة الإنسان والمجتمع في ضوء تدعي لنفسها من خلال أطرها وتصوراتها المنهجية الصفة والطابع العلمي والوحيد في دراسة الظواهر الاجتماعية، دون الاهتمام بخصوصية الظواهر الاجتماعية المتباينة شكلا ومضمونا عن الظاهرة الطبيعية
(1).

مفهوم الاثنوميثودولوجيا :

يرى بعض المنظرين من أمثال رويترنر أن البدايات الأولى لاستخدام مفهوم الاثنوميثودولوجيا يرجع إلى الكتابات المبكرة التي قام بها هارلود جارفنكل في عام 1945م وذلك أثناء دراسته و تحليليه لشرائط المداولات لهيئة المحلفين حين طرحت أمامه لأول مرة فكرة ومفهوم الاثنوميثودولوجيا حين كان مهتما بتحليل مادة المداولات وبكيفية معرفة هيئة المحلفين ماذا يفعلونه خلال عملهم في هذه الهيئة، وبكلمات أخرى لقد اهتم جار فنكل بمجموعة الافعال التي تقوم بها هيئة المحلفين وتستخدمها كنوع من المعرفة و الوسيلة التي تستطيع عن طريقها فهم كيفية تنظيم شؤون المجتمع الذي توجد وتعمل فيه. حيث ركز في دراساته على الهيئة على نوعية المعرفة و أساليب معرفة المداولات، وقد انتشر استخدام هذا المفهوم بصورة كبيرة مع تعدد دراسات جارفنكل
وهذا المصطلح استعمل لأول مرة مرجعيا مع الإثنوعلوم(l'ethnoscience) الذي يحدد المناهج و المعارف العميقة المستعملة من طرف أناس لعقلنة ممارساتهم الاجتماعية، وكمثال على ذلك الاثنونباتية والتي تعرف مناهج تصنيف النبات في مختلف المجتمعات البدائية
فكلمة أو مفهوم إثنو- Ethno تعني إمكانية تكوين الذوق والحس أو الذوق العام للعضو وعن إدراكه للمعرفة في مجتمعه ، وهذا ما حاول جار فنكل دراسته ، الحس أو الذوق العام لهيئة المحلفين ونوعية المعرفة لأعضائها الذي يتكون حسب طبيعة ونمط الواحد أو الحس والذوق العام للمعرفة التي توجد في المجتمع ككل
(1)
أما اذا تم ترجمة أو تحليل مفهوم إثنو- Ethno: فتعني 'الأعضاء' الجماعة ( شعبية او قومية) أو سلالة
أما ميثودولوجي Methodology -: تعني منهج أو طريقة
وقد قام جار فنكل بتعريف الاثنوميثودولوجيا- Ethnomethodology : على انها إستقصاء الخصائص العقلية لمجموعة التعبيرات والأفعال العلمية التي تتم أثناء الحياة اليومية وبتعبير أخر يشير هذا المصطلح إلى دراسة المعاني التي يعطيها الناس لتصرفاتهم وأنماط سلوكهم في عالمهم الاجتماعي .
وبتعريف وجيز هي دراسة مناهج الناس ومعالجة الطرق التي يفهمونا بها عالمهم
(2).


موضوعات الاثنوميثودلوجيا وقضاياها الأساسية:

¨ دراسة الواقع الروتيني اليومي، يذكر فليمر- Filmer ان الاتجاه الاثنوميثودولوجي يسعى الى دراسة النشاطات المألوفة تلك التي يقوم بها الأفراد في حياتهم اليومية، وكذرك التعرف على ما يتعرضون له من مواقف في حياتهم اليومية و التي تكون لها دلالتها السوسيولوجية، وذلك بهدف الكشف عن تلك الطرائق التي يسلك بها الأعضاء في هذه الأنشطة المألوفة و المتكررة وغير المألوفة، حيث يستخدم هنا جار فنكل هنا مفهوم ًالدلائل ً "indexicality" وذلك لتوضيح أن أفعال الأفراد وتصرفاتهم هي نتاج للمواقف الاجتماعية التي يصنعونها، أو هي بمثابة مؤشرات على تلك الظروف التي تنشأ فيها أحداث الحياة اليومية . حيث انه في مناقشته لذلك المفهوم قد اهتم بالطبيعة النوعية لمثل هذه الأحداث والظروف التي تحدث فيها .
فإن الأشخاص يقومون بمزاولة نشاطاتهم العادية ويؤدنها بطريقة مألوفة التكرار، وذلك كما أو كان يحكمها قانون ضمني غير مكتوب، ذلك القانون الذي يمثل في تلك الأوصاف التي ينقلها الناس إلى بعضهم البعض في إطار حديثهم عن بعض هذه الأنشطة، وذلك لان تكرار نشاطاتهم المألوفة هذه إنما يستند أيضا إلى الفهم الشائع والمشترك فيما بينهم و أن أي محاولة لدراسة تلك الأنشطة غير العادية أو غي المألوفة و التي تنجم أساسا عن الخروج على ما هو مألوف إنما يساعد على اكتشاف تلك القواعد التي تحكم التفاعل الاجتماعي بين الناس في حياتهم اليومية و يتضح الفهم المشترك أو الشائع بين الأفراد وذلك فيما أشار إليه جار فنكل عند استخدامه لمفهوم العضوية " Membership " بدلا من الفاعلين و الذي تنبع فكرته أساسا من القضية الاثنوميثودولوجية حول السلوك الاجتماعي وذلك حيث يفترض الأعضاء جميعا أن عالمهم الاجتماعي إنما يكون ذا حقيقة واقعية وأنهم جميعا لديهم خبرة وفهم مشترك بالمجتمع الذي يعيشون فيه
(1) .
¨ يعتقد رواد هذا الاتجاه ان فهم هذه الحياة اليومية سيوضح لنا مدى سطحية دراسة التنظيمات و المؤسسات الرسمية بالمجتمع حيث أنها تعتمد أساسا على احصائات و بيانات و سجلات يعتقد علماء الاجتماع التقليديون إنها ممثلة للمواقع وهي في حقيقة الأمر غير ذلك لأنها اعتمد وركزت في تحليلها على أسس ذاتية ( الجانب الكمي) لذلك اعتمد الاثنوميثودولوجيا على (الجانب الكيفي) حيث يفهم الفرد أحاث مختلفة في مجتمعه من خلال فهمه للأنشطة الواقعية اليومية
(2).

¨ تفسير الاثنوميثودولوجيا لمشكلة النظام الاجتماعي أما عن الاهتمام بتفسير مشكلة النظام الاجتماعي فنجد أن الاتجاه الاثنوميثودولوجي يعالج على نحو مغاير تماما لكل من وجهتي نظر الوظيفية و الماركسية الكلاسيكية ، فالاثنوميثودولوجيا عبرت عن وجهة نظرها من الانظام الاجتماعي على انه ليس ذات وجود فعلي حيث أنه يكون محكوم لطبيعة القواعد المعيارية و التي ترتبط بالمواقف التي تظهر فيها و تتغير أيضا طبقا لتغيرها
إن علماء الاثنوميثودولوجيا يتخلون عن الاعتقاد في وجود نظام موضوعي أو فعلي وينطلقون بدلا من ذلك من مسلمة التي مؤدها أن ( الحياة الاجتماعية تبدو على نحو منظم لأعضاء المجتمع) وهكذا تبدو أوجه نشاط الحياة اليومية في نظر الأعضاء منسقة ومنظمة.
ولا يعزى النظام فيها بضرورة إلى الطبيعة الأساسية أو الخواص الأصلية للعالم ج، وبعبارة أخرى قد لا يوجد بالفعل تظاهر ج ، وإنما قد يظهر ببساطة على أنه موجود بفعل الطريقة التي يدرك لها أعضاء يفسرون الواقع ج، ولذلك يصبح النظام اجتماعي خيال ملائم ويتصور أعضاء المجتمع ظهور النظام ، وهذا الظهور يسمح بوصف العالم الاجتماعي و يفسره
(1)

المناهج المستخدمة في الدراسة الاثنوميتودولوجية:

لتوضيح المناهج المستخدمة في الدراسات الاثنوميثودولوجيا نجد أن رائدي هذا الاتجاه قد قاموا بإجراء عدة دراسات امبريقية للكشف عن مناهج مختلفة و التي يمكن أن يستعين بها الباحث الاثنوميثودولوجي لكي ينفذ إلى مواقف الحياة اليومية و يتعرف على أفكار و قواعد السلوك المبحوث وعلى الرغم من تعدد هذه دراسات فإنه يمكن تصنيف هذه الدراسات إلى ثلاثة نماذج
ü يتمثل النموذج الأول في تلك الدراسات التي تهدف إلى اكتساب المعرفة الاجتماعية والثقافة
ü و النموذج الثاني يتمثل في الدراسات التي تحاول التعرف على القواعد العامة التي تقوم الناس بصياغتها بهدف فهم أنماط السلوك ويفسر كيفية نشأة النظام
ü اما النموذج الثالث من الدراسات فيتمثل في تلك الدراسات الهامة التي نحاول التعرف على الطرق التي يتبعها الناس للحكم على الأنشطة و إقرارهم بأنها مقبولة و مفهومة.
وقد انتقد أصحاب المنظور الاثنوميثودولوجي طرق وأدوات البحث المستخدمة في علم الاجتماع مثل المسح الاجتماعي و المقالات كما رفضوا استخدام صحيفة الاستبيان كوسيلة لجمع البيانات الكمية التي تتطلبها الدراسات الاثنوميثودولوجية وذلك على أساس أن مثل هذه الأساليب الكمية تفصل بين الباحث و موضوع دراسته وتتضمن معرفة سابقة بالواقع يفوضها الباحث على أداة بحثه بالإضافة إلى موقف التفاعل بين الباحث و المبحوث ويؤثر على حجم ونوعية البيانات التي يتم الحصول عليها ، ولكي يتعرف الباحث الايثنوميثودولوجي على أفكار و قواعد سلوك المبحوث دون أي تدخل من طرف الباحث يرى أصحاب هذا المنظور أنه يمكن استخدام طريقة الملاحظة بالمشاركة.
بالإضافة إلى مناهج أخرى مثل المنهج الشبه تجريبي الذي يطلق عليه التجربة الاثنوميثودولوجية و الذي صاغها جارفنكل في كتاباته الأولى ، والمنهج الأخر الذي أطلق عليه المنهج التوثيقي
وكي يمكن فهم أي موقف في الحيات اليومية من وجهة نظر أعضاء المجتمع المشاركين في هذا الموقف يمكن تطبيق منهج شبه التجريبي على الجماعة التي يحاول الباحث دراستها، ويمكن للباحث تطبيق المنهج أو التجربة الاثنوميثودولوجية عن طريق محاولة كسر القواعد التي تحكم سلوك الجماعة بطريقة تختلف عن القواعد المتفق عليها مع تسجيل رد فعل الجماعة إتجاه الباحث، ومن ثم يمكن للباحث اكتشاف القواعد التي لا يعرفها الباحث كما يعرفها الأعضاء المشاركين في عملية التفاعل، وعلى سبيل المثال يحاول الباحث تعمد التصرف كما لو كان غريبا مع أعضاء أسرته، مع تسجيل رد فعل أعضاء


الأسرة اتجاه الباحث، وبذلك يتمكن من التعرف على القواعد السلوكية المتفق عليها داخل الأسرة و التي تحكم سلوك و تصرفات أعضاء هذه الأسرة.
وقد استخدم هذا الاتجاه المنهج التوثيقي في محاولة تفسير كثير من المواقف، على سبيل المثال نجد جار فنكل بين جماعة المحلفين وقد استمع إلى هذه التسجيلات وما يذكره هؤلاء المحلفين مع بعضهم البعض كجماعة داخلية، ثم بعد ذلك قام بمقابلة هؤلاء المحلفين للتعرف على كيفية وصفهم لأسلوب المداولة أمامه كشخص خارجي عن الجماعة، وعن طريق المقارنة بين ما استمع له في تسجيلات وتصرفات المحلفين في جماعتهم الداخلية وبين تصرفاتهم داخل إطار مرجعي مختلف في حالة وجود شخص خارجي ، وبهذا تمكن جار فنكل من التعرف على كافة الظروف التي يتخذ فيها المحلفون قراراتهم و التي جعلت منهم جماعة لها سمات معينة .
ان نتائج مثل هذه الدراسات توضح بوجه عام إن أي فعل يبدو غامضا حتى يمكن إدراك معناه من خلال ما يحدث في الحياة الاجتماعية بإضافة إلى أنها توضح كيفية صياغة أعضاء المجتمع للحقيقة الاجتماعية
ويوصي هانز بيتردريتزل، وهو أحد العلماء الذين تبنوا المنظور الاثنوميثودولوجي بأن يقوم علماء الاجتماع بإستخدام المنهج التوثيقي نظرا لأن المنهج يمكنهم من فهم المعاني والدلالات التي تتضمنها عملية التفاعل
(1)
و يصرح جارفنكل أن الطريقة التي ينظم بها الناس عالمهم الإجتماعي و يعقلونه هي تتم عبر نسق سيكولوجي والذي سماه بالمنهج الوثائقي. هذا المنهج يتكون بالدرجة الأولى من حقائق منتقاة من الوضعية الإجتماعية
1- عبد الله محمد عبد الرحمان، النظرية في علم الاجتماع ( النظرية السوسيولوجية المعاصرة )،ج2،دار المعرفة الجامعية، بيروت،ص ص 243-245

2- طلعت ابراهيم لطفي و كمال عبد الحميد الزيات،النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار غريب، القاهرة، ص 143

1- عبد الله محمد عبد الرحمان، مرجع سبق ذكره، 243-245

1- عبد الله محمد عبد الرحمان، مرجع سبق ذكره، ص 247

2- السيد عبد العاطي و اخرون،نظرية علم الاجتماع، الاتجاهات الحديثة والعاصرة ، دار المعرفة الجامعية، بيروت، ص 362

1- علي عبد الرازق حلبي، إتجاهات أساسية في نظرية علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، ص ص 291- 292

2- محمد أحمد سومي واخرون،نظرية علم الاجتماع،الاتجاهات الحديثة والعاصرة،دار المعرفة الجامعية،بيروت، ص ص372- 373

1- محمد أحمد سومي، مرجع سبق ذكره، ص 374

1- طلعت ابراهيم و كمال عبد الحميد الزيات ، مرجع سبق ذكره، ص ص154-156